الأربعاء , أكتوبر 1 2025
الرئيسية / المشاركات / المشاركات البيطريه / مخاطر إنفلونزا إتش 1 إن 1

مخاطر إنفلونزا إتش 1 إن 1

قرابة عيد الشكر عام 2005 ساعد فتى مراهق زوج أخته على ذبح 31 خنزيراً فى مسلخ فى ولاية ويسكونسن وبعد أسبوع ، أمسك الشاب البالغ من العمر 17 عاماً بخنزير آخر فيما كان يذبح تمهيداً للعطلة ، أشترت عائلة المراهق دجاجة وأبقتها فى منزلها , بعيداً عن طقس منطقة شيبويجان الخريفى البارد فى  7 ديسمبر  أصيب المراهق بالإنفلونزا ودام مرضه ثلاثة أيام قام بزيارة عيادة محلية ثم شفى تماماً ولم يصيب أى من أفراد عائلته بالمرض .

قد لا يبدو هذه الحادثة جديرة بالذكر لولا أن فيروس الإنفلونزا الذى أصيب به الفتى من ويسكونسن لا يشبه أي من الفيروسات المعهودة بدا أنه مزيج من إنفلونزا التى تصيب الخنازير . كان نوعا من إنفلونزا البشرية وسلالة من الإنفلونزا إتش 1 إن 1 فيروس ويسكونسن الذى تم تجاهله إلى حد كبير فى ذلك الحين كان خطوة على طول الدرب التطورية التى أدت إلى نشوء فيروس أذهل العالم بعد أربع سنوات .

لننتقل إلى أبريل 2009 حين عانى الفتى إدغار إنريكى هيرنانديز فى بلدة لاجلوريا البعيدة فى المكسيك نوبة إنفلونزا تبين أن سببها مزيج مشابه من إنفلونزا الخنازير والطيور والبشر وهى أيضاً من نوع مخاطر إنفلونزا إتش 1 إن 1

كل من هذه الحوادث مرتبطة بأزمة الإنفلونزا الحالية من عادات البشر البحث عمن يلقون عليه الملامة خلال الفترات التى يدب فيها الذعر وحالياً يتم توجية أصابع الإتهام إما إلى جنس الخنازير الداجنة برمته أو إلى دولة المكسيك إلقاء اللوم بهذه الطريقة ليس فقط قائما على أسس علمية ضعيفة بل من المرجح أن يحث الحكومة على إتخاذ خطوات تكون فى أفضل الحالات عديمة الجدوى وفى أسوأ الحالات مضرة بالجهود للسيطرة على الوباء نحن نعيش فى عالم معولم ممتلئ بالتهديدات الجرثومية المشتركة التى تنشأ فى مكان ما وتتفاقم فى مكان آخر من خلال النشاطات البشرية التى تساعد وتشجع تكاثر الجراثيم ومن ثم تنتشر عبر مساحات جغرافية شاسعة فى غضون أيام أو حتى ساعات والسبب يعود من جديد إلى النشاطات والتحركات البشرية إن كان لا بد من إلقاء اللوم فيجب توجيهه إلى الجنس البشر والطرق الجلية التى يغير فيها البيئة العالمية موفرا للجراثيم مثل فيروس الإنفلونزا فرصاً جديدة ومهمة للتطوير والتحويل والأنتشار .

   عام 2006 أفادت الجمعية الأمريكية للأطباء البيطريين المختصين بالخنازير بأن البشر ينقلون فيروسات مخاطرة إنفلونزا إتش 1 إن 1  إلى الخنازير مما يؤدى إلى إنتشار المرض فى قطعان الخنازير لا سيما فى ولايات الوسط الغربى الأمريكية بعد ذلك بعام تفشى مرض خلال مهرجان قروى فى أوهايو مما أدى إلى إصابة الكثير من الخنازير لكن لم تنتقل العدوى إلى أى من البشر الذين يهتمون بها السبب كان نوعاً من فيروس مخاطر إتش 1 إن 1 قريباً جداً بتركيبته من السلالة التى ظهرت فى ويسكونسن وربما إنتقل من البشر إلى الخنازير .

العام الماضى حذر باحثون من جامعة ولاية آيوا بمدينة إيمز من أن الخنازير الموجودة فى المزارع التجارية تتعرض للإصابة بالإنفلونزا من الدواجن والطيور التحقيقات بشأن وباء الإنفلونزا الذى إنتشر فى العالم عام 1918 والذى يقدر بأنه أدى إلى وفاة ما يقارب الــ 100 مليون شخص عالمياً فى غضون 18 شهراً كشفت أن الفيروس المسئول كان نوعاً من فيروسات إنفلونزا البشر مخاطر إنفلونزا إتش 1 إن 1 الذى أصاب الخنازير ومن ثم إنتقل إلى البشر من جديد ، فيروس الإنفلونزا جرثومة فوضوية فى حالة تحول وتطور مستمرة تركيبته الجينية على شكل حمض آر إن إيه ( وليس حمض الـ دى إن إيه كما لدى البشر ) وهى  تكمن داخل كروموسومات شديدة التنوع وعندما يصيب الفيروس خلية ما تتفكك كروموسوماتة بشكل فوضوى ويتم نسخها لصنع المزيد من الفيروسات التى تدخل مجرى الدم وتنتشر فى كل أنحاء الجسم خلال عملية النسخ هذه تضاف أى مواد جينية أخرى موجودة فى الخلية إلى آلاف النسخ من الفيروس ، إن تكاثر الفيروس بهذا الشكل داخل خلية بشرية يكتسب بعض المواد الجينية البشرية وإن تكاثر داخل خلية دجاج يكتسب جينات طيريه ” وداخل خلية خنزير يكتسب حمض الـ آر إن إيه الخنزيرى ، يبلغ تطور الإنفلونزا ذروته عندما يدخل نوعان مختلفان من فيروسات الإنفلونزا إلى خلية حيوانية فى الوقت نفسه حيث يتم تبادل كروموسومات بكاملها لصنع فيروسات منوعة ”

ما أصاب المراهق فى شيبويجان كان فيروساً جديداً ثلاثى التركيبة يحتوى على جينات من ثلاثة أجناس حيوانية أحدهم الجنس البشرى.

لكن من يعير إنتباها لهذه الأمور ؟ بإستثناء البيطريين ومزارعى الخنازير وعلماء الفيروسات؟

قبل تسعة أشهر أبلغت إدارة الخدمات الصحية فى ولاية تكساس مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها عن شخص كان يعمل بالقرب من خنازير مريضة أصيب هذا الرجل من تكساس بالإنفلونزا ولكنه لم ينقله إلى أحد واستعاد عافيته بعد بضعة أيام ، فى دم المريض أكتشف علماء مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها فيروس إنفلونزا خنازير من الفئة أ ( من نوع مخاطر إنفلونزا إتش 1 إن 1 ) ثلاثى التركيبة أ / ويسكونسن / 2005 / 87 مخاطر إنفلونزا إتش 1 أن 1 وهو الفيروس نفسه الذى أصيب به المراهق فى شيبويجا قبل ثلاث أعوام.

ثم فى مارس بدأ وباء 2009 بالإنتشار وما كان ليحظى بالإهتمام بصراحة لو جرت الأمور بالطريقة نفسها التى شملت الطيور والبشر والخنازير والتى لم تلق سوى القليل من الأنتباه فى ويسكونسن وأوهايو وتكساس لكن الفرق هذه المرة هو أن بعض الناس ماتوا .

فى منتصف مارس إرتفع عدد حالات الإنفلونزا التى يتم الإبلاغ عنها فى عدة ولايات مكسيكية إلى حد كبير وفى الوقت نفسه تقريباً إكتشفت السلطات المسئولة عن الصحة العامة فى جنوب كاليفورنيا حالتين منفصلتين من الإصابة بالإنفلونزا لدى الأطفال فتى فى الـ 10 من العمر فى مقاطعة سان دييجو وفتاة فى التاسعة من العمر فى مقاطعة إمبيريال ومع أن الطفلين تمكنا من النجاة من المرض فقد ظهرت دلائل على أنه إنتشر إلى أفراد عائلتيهما وتم فحص عينات من دمهما فى مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها فى أوائل إبريل وتم الكشف عن وجود فيروس مخاطر إنفلونزا إتش 1 إن 1  ثلاثى التركيبة فى الوقت نفسه ظهرت فى المكسيك أكثر من 50 حالة خطرة من الإصابة بالإنفلونزا وأرسلت الحكومة عينات دم إلى أهم مختبر كندى للأمراض المعدية فى مدينة وينيبيج أكد الكنديون أن الفيروس المكسيكى الغامض هو مخاطر إنفلونزا إتش 1 إن 1 بالفعل وبرزت إحتمالات إنتشار وباء واسع النطاق.

إليكم الوضع إذن لدينا فيروس جديد فى العالم يبدو أنه معد جداً بين البشر وربما بين الخنازير والبشر ولحسن الحظ أنه يمكن معالجته بالعقارين المضادين للفيروسات تاميفلو وريلنزا ( أوزيلتاميفير وزاناميفير ) لكنه مقاوم للنوع الأساسى الآخر من العقاقير المضادة للإنفلونزا ( أمانتادين ) ، والفيروس لا يزال يتطور وينتشر ومساره النهائى غير واضح إلى الآن وما زلنا نجهل مدى فتك الفيروس فى حين أن المكسيك تمكنت من إحصاء عدد القتلى والمصابين بفيروس مخاطر إنفلونزا إتش 1 إن 1  الذين توجب إدخالهم إلى المستشفيات لا يمكنها أن تحدد عدد المكسيكيين الذين أصيبوا بالفيروس منذ أن بدأ بالأنتشار هناك فى أواخر مارس القول مثلاً إن 150 شخصاً من أصل 10 ملايين مصاب توفوا يؤدى إلى معدل وفيات مشابه لما نراه فى حالات الإصابة بالإنفلونزا الموسمية العادية ( كل عام تؤدى الإنفلونزا الموسمية بحياة 36000 شخص فى الولايات المتحدة وحدها ) لكن الوضع يختلف كلياً إن كان عدد المصابين فى المكسيك يبلغ 5000 مما يجعل معدل الوفيات 3 بالمائة أى أسوأ بنسبة 1 بالمائة من معدل الوفيات من جراء وباء الإنفلونزا عام 1918 ومن الضرورى معرفة عدد الإصابات .

هناك فيروس بشرى آخر من نوع مخاطر إنفلونزا إتش 1 إن 1 مشابة جداً لإنفلونزا الخنازير ينتشر فى العالم ومع أنه واسع الأنتشار فهو ليس فتاكاً بشكل غير إعتيادى ففى العام الماضى إكتسب هذا الفيروس مناعة ضد دواء تاميفلو وسيكون من المقلق جداً أن يختلط الفيروس البشرى مخاطر إنفلونزا إتش 1 إن 1  الذى إنتشر عام 2008 بالفيروس البشرى الخنزيرى الجديد مما قد يجعلنا نواجه وباء إنفلونزا أكثر مقاومة للعقاقير ولا يمكن علاجه إلا بواسطة دواء ريلينزا الذى يتم إستنشاقه بواسطة منشاق وثمة وباء ثالث أقدم منتشر بين الدواجن ويصيب البشر أحيانا يتضمن فيروس إتش 5 إن 1 هذا الوباء منتشر منذ مدة طويلة بحيث أن الفيروس تطور بأشكال مختلفة بما فيها أشكال مقاومة للعقاقير  فى مصر حيث من الشائع أن تربى العائلات الدواجن فى باحات منازلها تسبب فيروس  إتش 5 إن  1 بعدد كبير من الإصابات البشرية ويبدو أن إنتشاره أصبح خارجاً على السيطرة منظمة الصحة العالمية قلقة بسبب أدلة تشير إلى أن فيروس إتش 5 إن 1 يصبح أقل فتكا بالناس هذا قد يعنى أن فيروس إنفلونزا الطيور يتطور ليتخذ شكلاً أقل فتكاً وأكثر قدرة على الإنتشار بين البشر

لحسن الحظ أن المكسيك أظهرت للعالم كيف يمكن لدولة مسئولة أن تواجه وباء محتملاً فمن خلال التحرك بسرعة لإقفال المدارس و أمكنه الترفيه والتجمعات الأجتماعية تواجه المكسيك التى يعانى إقتصادها أصلا من أزمة حادة عواقب مالية وخيمة لكن خطواتها الجذرية قد تنقذ أرواح المكسيكيين وتبطئ إنتشار وباء عام 2009 من هذه الناحية يدين العالم للمكسيك بشكر كبير .                                                                    

الأسوأ من ذلك أن بعض الحكومات تحظر إستيراد منتجات الخنازير من القارة الأمريكية وكأنه يمكن الإصابة بالإنفلونزا من خلال تناول النقانق المطهوه وهذا غير صحيح .                                                                                                                      

تقدر منظمة الأغذية والزراعة فى الأمم المتحدة أنه بحلول عام 2020 قد يفوق الإستهلاك العالمى من لحوم الخنزير والدجاج والأبقار والأسماك التى تربى فى مزارع الـ 386 مليون طن .

 

 

                                                                       بقلم لورى جاريت ( مقال من مجلةالنيوزويك)                                                                                                    

جاريت من كبار الأعضاء المختصين بالصحة العالمية فى مجلس العلاقات الخارجية وكاتبة حاصلة على جائزة بوليتزر .                                                                              

تعليقات الفيسبوك

تعليق

شاهد أيضاً

nascimento-elefantinho مشاركة من الدكتور / أنور السبكى

تعليقات الفيسبوك تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *